نزار قباني الذي لا نعرفه ..

من طرف آلاء الصباغ الأربعاء سبتمبر 10, 2008 3:29 pm

ربما لن أتكلم إلا من الناحية الأدبية .. رغم أني لا أتفق و أهل ذلك المنطق في النقد .. لكنه تحليل لا نقد

نزار بالفعل أوتي فصاحة و حداثة فكرية و تصويرية هائلة .. فعله بالشعر يذكرني بفعل أبي تمام .. لا من حيث الأسلوب لكن من حيث أن كليهما أتى من مكان بعيد بشعر جديد .. أبو تمام عندما سألوه : لم لا تكتب ما يفهم؟
أجاب: و لم لا تفهمون ما يُكتب ..

نزار كتب سفها كثيرا .. نعم .. لا أتحدث عن مساخره .. هو حر فيما يعتقده .. هو ليس مضطرا أن يعلن توبته .. ..لكن ما يخص العقيدة .. فليس في ذلك حرية .. لكن من خلال طول قراءتي لشعر نزار أعلم أنه لم يفعل ذلك عمدا .. بل كان يعتقد أن ذلك إحدى وظائف الشعر .. ربما فهم الحرية فهما خاطئا في زمان غُيِّب فيه الدين و شاعت فكرة القومية العربية .. كانت فكرة الإسلام ترتبط بصور غريبة في أذهان الناس وقتها.. نزار عفوي .. إذا أحس شيئا .. يكوّن شيئا .. بعفوية دون أن يقصدا ..

عندما نحاسب نزارا فعلينا أن نتلمس له -في رأيي- ذنب مجتمع منغلق جدا بدعوى التدين .. و عالم آخر منحل جدا بدعوى الحرية ..نزار كان يصور بيئته لأنه عفوي .. حتى عندما كتب شعرا في مديح دمشق مثلا .. لم يستطع التخلي عن مشاهد اعتاد رؤيتها في حياته .. النساء كن حاضرات .. في كل شيء عنده .. فالشام عنده امرأة و بيروت امرأة و العروبة أرملة .. الخمر كانت مظهرا عاديا لواحد يعمل في السفارات و هو قبل كل احتمال ابن عائلة شامية كبيرة .. لا أدافع عن أخطائه .. لكن أحاول أن أجد سببا لأن يكتب إنسان مثقف مطور .. له قدرة غريبة على أن يرى بعين تصويرية تفاصيل مثل انتحار شهرزاد مثلا .. بعضَ ما كتبه نزار

دعنا من ذلك الآن .. أود أن أذكر دلائل قليلة على شعرية ذلك الرجل

انتحار شهرزاد مثلا في قصيدة آخر الأنبياء تلك -أستغفر الله العظيم- و نزار عندما سماها كذلك فإنه لا يقصد إساءة لكنه يظن أن الشاعر يحق له إضفاء أي اسم على أي شيء ..أقصد أن ليس ثمَّ مخطط تآمري على الدين وراءه .. لم ينتمِ يوما إلى أي جماعة .. حتى في شعره .. ألم يقل .. "لا تحاولي تصنيفي" ..؟

و لا أعتقد أن سفهه -خاصة في أواخر حياته- يبرره بحثه عن المال أو الشهرة مثلا

نزار كان وقتها أشهر من كثيرين من المطربين و نجوم السينما و كما سبّقت فإنه " من يوم يومه ابن عيلة و ناس"

إنه -إذا- ارتكب ذنبا أخف من ذنوب أُخر .. لأن جرمه لم يكن وراءه سوء نية .. كان عفويا‍

نأتي لانتحار شهرزاد .. انظر إلى عبقريةالفكرة و الصورة .. هل خطر لك يوما أن شهرزاد التي بقيت ألف ليلة و ليلة تصوغ حكايات لتحتفظ برقبتها .. شهرزاد رمز الأمل قد يستبد بها اليأس لتنتحر .. بسبب موت عبد الناصر عند نزار.. إنه شاعر جد خطير .. متملك لأدواته .. يحسن تأييد فكرته

استمع إلى صوت شهقات الضلوع في قصيدة "الموعد الأول" التي كادت لولا آخر أبياتها تكون رائعة .. و هذه عادة نزار ..

في تلك القصيدة تكاد ترى لون المدى .. و تسمع صوت مغازلة شهقات شوقه له من فرط جمال خيالاته المركبة و روعة تصويره .. رغم أن عدد أبيات القصيدة لا يزيد على ثمانية لكنه يحسن التكثيف .. تخيلات نزار جعلت العطر يرى و يشم اهتزاز الصدى حقا .. و لكنه أساء استخدام تلك الموهبة أحيانا .. بعفوية دون أن يقصدا‍

و ربما هذا بسبب جناية الشهرة و الجماهير عليه .. الجماهير التي صفقت له كثيرا حينا و انتقدته كثيرا حينا آخر .. بسبب موضوعاته فقط .. لم ينتبه أحد لأي شيء في نزار سوى موضوعاته .. النقاد .. نسوا شغلهم و التفتوا لموضوعاته المفرقعة .. حتى أغووه .. فخلى لغته الوردية جانبا .. و استمر في موضوعه ناسيا لغته التي كانت لها في الأصل القدرة على لفت الانتباه إلى قصائده الأولى .. و تدنى نزار أحيانا إلى ضرب من العامية الملفقة إلى الفصحى .. مع إضافة وزن و قافية و تجنيب الشعرية كل ملمح من قصيدته
اقرأ ..
أنت لا تحتملين
كل أطوارك فوضى
كل أفكارك طين !!!

أين هذا من لغته الأولى في قالت لي السمراء .. شتان

و لتسعد الجماهير إذًا ..

و لنعد مرة أخرى إلى جدة نزار

انظر إلى حداثة استخدامه للتصاوير في .." تعرى الثلج في أسنانها" .. لم أسمع هذا من قبل .. ثلج الأسنان هذه جديدة .. و الأكثر حداثة ..تعري الثلج .. تكاد تشعر بحياء ذلك الثلج أو الأسنان إذ تعرت .. ما أبلغه في استخدامه للقصة .. في قصيدة مكابرة مثلا ..ذلك الحوار الذكي بين الإنسان حين يغالط نفسه و يستتر من أفكاره بأفكاره .. و اللازمة المكررة بدقة ..
تراني أحبك ..لا لا محال
أنا لا أحب و لا أغرم

مكابرة بحق‍..
و كذلك إضفائه لصفات غريبة محدثة على الأشياء .. حين يقول في ذات القصيدة .. "وجف النداء و مات الفم"
يقفز إلى قارئه سؤال .. أليس الأجدر .. مات النداء و جف الفم ..؟

لا .. لو لم يقلبها لما كان نزارا ..
جف النداء كنهر قبل أن يصل .. و مات الفم ..

بعينين أوسع من بابيه
الشفق الفستقي
القرية الراهبة

كلها مصطلحات نزارية بحتة .. و تصاوير من تلك التي أتحدث عنها ..من فرط شعريته فإنه يرى بعينين غير العيون .. هل تخيلت شفقا فستقيا مرة .. هل رأيت عيونا أوسع من باب ..؟؟‍
و تلك القرية من فرط سكونها تخيلها راهبة .. أن تشبه القرية بامرأة فهذا جديد لكن أن تشبهها براهبة .. فهذا .. نزار‍

مصطلحاته الخاصة به جعلت شعره يُعرف من وسط ألف قصيدة .. حتى حين استخدم مصطلحات عامية فإنه أحسن فعل ذلك .. "فقبلنا لا شال شال"

و تكراره للكلمات و هذا لا يُحبذ .. لكنه مختلف في حالة نزار
"و تلك الطفلة الطفلة"
تشعرك أن الطفلة الأولى اسم ذات لا صفة ..و الثانية وصف للأولى
هي طفلة كما تعودنا أن نقولها بالعامية لكنها عند نزار طفلة طفلة .. موصوفة بالطفولية

و حين يقول "طرابينا من النعناع و الزعتر" في قصيدة خمس رسائل إلى أمي

لقد أحسن توظيف تلك الطرابين "و صرفها رغم أنها لا تصرف" ..لكن أحيانا تشعر أن الأشياء في مقام الذكريات تحتفظ للحدث بطزاجته إذا ما سمت باسمها المنطوق ..

توظيفه للأسماء ..أيلول.. تشرين ..بلقيس ..الشام ..إسبانيه ..العراق ..كلها رموز أكثر منها أسماء في شعر نزار
أيلول يرادفه الخضار .. تشرين أحسن موعد للهوى عنده .. إسبانية شيء من تاريخ مكرر في واقع معاصر .. فهو يسقط على إسبانية واقعنا ..بلقيس حبيبته طبعا ..و رمز استقراره و سعادته

نزار كلاسيكي جدا في المطلع
أتراها تحبني ميسون ..
غزل مكرور متعمَّد هذه المرة

و رومانسي جدا في مجموعاته الأولى
و واقعي جدا مصدوم جدا كغيره من القوميين بعد النكسة حينما سقطت القومية العربية..

نزار شاعر ..بلا جدال

نأخذ بقدر من إضافاته للشعر .. و أما سفهه فخله جانبا .. هذا رأيي فيه

من قال إن الشاعر داعية ..الشعراء يتبعهم الغاوون غالبا .. الشاعر في المقام الأول مجنون يبحث عن ..هوية !

من طرف luv whisper الخميس سبتمبر 18, 2008 4:18 pm

نزار شاعر ..بلا جدال

نأخذ بقدر من إضافاته للشعر .. و أما سفهه فخله جانبا .. هذا رأيي فيه

من قال إن الشاعر داعية ..الشعراء يتبعهم الغاوون غالبا .. الشاعر في المقام الأول مجنون يبحث عن ..هوية !

عنجد نزار الذي لا نعرفه .. !

شكرا كتيييير ياقلبي ع الموضوع المميز و نزار شاعر بلا جدال